ماذا يقول نزار قباني عن أحداث غزة وحال الأمة العربية في العام 2009؟
لا شك أن حال العرب مع بدء عام جديد، فيه الكثير من مظاهر الأسى والإحباط فغزة لا تزال تحترق، والعراق والصومال محتلتان وسورية ولبنان مهددتان على الدوام بينما السودان في دائرة الخطر وبقية الدول العربية ليست أفضل حالاً مما سبقها فضلاً عن وجود الكثير من المشاكل الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية التي تهدد العرب في حاضرهم ومستقبلهم.. ورغم كل هذه المخاطر والتحديات فإن قادة العرب ما زالوا منقسمين فيما بينهم مختلفين على كل شيء وعلى أي شيء!!
وإذا كان نزار قباني قد رحل عن عالمنا منذ سنوات فارتاح حتى لا يشاهد هذه الحال المزرية التي وصلنا إليها، وأراح برحيله العديد من الحكام الذين اعتاد أن يجلدهم بسوط كلماته ويهدد عروشهم بسيف قصائده كما فعل كثيراً في حياته!! إلا أننا لو عدنا لقراءة بعض ما كتبه نزار فإننا سنجد أن كل ما كتب سابقاً ومنذ عقود لا يزال صالحاً للحديث عن حال العرب في العام 2009 فإذا كان نزار قباني قد بكى من قبل القدس وبيروت فإن حال غزة اليوم لا يختلف كثيراً.. وإن كان قد كتب عن هزائمنا ونكساتنا العربية السابقة فإن العرب ما زالوا مستمرين بإنتاج المزيد من الهزائم والإخفاقات بمسميات متعددة وأوصاف شتى. ولعل توصيف نزار عن أسباب سوء الوضع العربي وتوقعاته لمستقبلهم لا يختلف كثيراً في الحاضر عما كان سائداً في الماضي القريب.
فلو تأمل نزار قباني حال غزة اليوم حيث القتل والدمار على الهواء مباشرة في حين أن العرب تهربوا من تحمّل مسؤولياتهم وتقاعسوا عن أداء واجباتهم فاجتمعوا بعد زمن على مضض وعلى مستوى وزراء الخارجية واكتفوا بإصدار بيان هزيل لا يحمي من عدو ولا يقي من عدوان فلا شك أنه كان سيخاطب غزة، كما خاطب بيروت، من قبل صارخاً:
«سامحينا.. إن تركناك تموتين وحيده..
وتسّللنا إلى خارج الغرفة نبكي كجنودٍ هاربين
سامحينا.. إن رأينا دمكِ الورديَّ ينساب كأنهار العقيق
وتفرّجنا على فعل الزنى.. وبقينا ساكتين..».
لكن لماذا وصلنا إلى هذه الحال حتى أصبحت الدول صغيرها وكبيرها على حد سواء من أميركا إلى إسرائيل مروراً بإثيوبيا يستبيحون بلادنا ويحتلون أرضنا ويدنسون مقدساتنا فإن السبب، برأي نزار، هو:
«لو أننا لم ندفن الوحدة في الُتراب
لو لم نمزّق جسمها الطريَّ بالحراب..
لو بقيت في داخل العيون والأهداب..
لما استباحت.. لحمنا الكلاب..».
ولو كان نزار قد استمع إلى خطابات بعض حكام العرب وسياسييهم الذين حملوا المسؤولية في أحداث غزة الأخيرة للمقاومة لا لإسرائيل ووجد بعضهم يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية ويرددها ويبررها ويروج لمبادرات عبرية الأهداف عربية الحروف فلا شك أنه كان سيواجههم بالسؤال:
«كأنَّ حرابَ إسرائيل لم تُجهضْ شقيقاتكْ
ولم تهدمْ منازلنا.. ولم تحرقْ مصاحفنا
ولا راياتُها ارتفعت على أشلاءِ راياتكْ
كأنَّ جميعَ من صُلبوا..
على الأشجارِ.. في يافا.. وفي حيفا..
وبئرَ السبعِ.. ليسوا من سُلالاتكْ..».
ومن المؤكد أن نزار قباني كان سيدرك أن بعض الحكام العرب قد تنازلوا عن كل الحقوق والمصالح العربية وقايضوها لقاء بقائهم في مناصبهم والتلذذ بمزايا السلطة ومنافعها ومفاسدها أيضاً وكذلك لقاء توريث السلطة لسلالاتهم ومن يحبون من بعدهم!! ولا شك أنه سيصرخ بوجههم قائلاً لكل منهم:
«تغوصُ القدسُ في دمها..
وأنتَ صريعُ شهواتكْ
تنامُ.. كأنّما المأساةُ ليستْ بعضَ مأساتكْ
متى تفهمْ؟
متى يستيقظُ الإنسان في ذاتكْ؟».
ولا شك أن نزار قباني لن يتجاهل أن بعض قادة هذا الزمان قد جرموا المقاومة ولاحقوا قادتها واتهموهم بأبشع الأوصاف والاتهامات وأدانوهم بفعل النصر وأغلقوا حدودهم في وجههم في الوقت الذي فرشوا فيه السجاد الأحمر لقادة إسرائيل واستقبلوا كبار مجرميها ومجرماتها أيضاً وإذا كان طارق بن زياد قد حقق النصر للعرب منذ زمن فأصبح مثلاً وقدوة فإن قادة المقاومة في عصرنا هذا قد ساروا على دربه ونهجه فسعوا لنصر العرب وقاتلوا للحفاظ على حقوقهم ووجودهم وكراماتهم إلا أن جزاءهم من قبل بعض حكامنا العرب هو التشكيك بنصرهم ومعاقبتهم والتعاون مع الأعداء للقضاء عليهم والتخلص منهم فأصبح المقاوم مستهدفاً ملاحقاً حتى في بلده التي دافع عنها وضحى لأجلها!! وعنه يقول نزار:
«أخذوا منه النياشينَ، أقالوهُ من الجيش..
أحالوهُ إلى محكمة الأمن، أدانوه بجرم النصر!!
هل جاء زمانُ..
صار فيه النصرُ محظوراً علينا يا بنيّ؟
ثمّ هل جاء زمانُ؟
يقفُ السيفُ به متّهماً عند أبواب القضاء العسكريّ!!
ثم هل جاء زمانُ..
فيه نستقبلُ إسرائيل بالورود... وآلاف الحمائم..».
لكن لماذا لا يستمع نزار قباني إلى الخطاب «العقلاني جداً» السائد هذه الأيام والصادر من كبرى العواصم العربية وعلى لسان بعض كبار مسؤوليها ومثقفيها أيضاً والداعي إلى انتظار العدالة الدولية والتماس العون أو التفهم من كبرى دول العالم أو انتظار العدالة الإلهية التي لا بد أنها ستتحقق يوماً في الدنيا أو الآخرة بدلاً من استعجال ارتكاب «إثم المقاومة» أو «جرم الدفاع عن النفس» وهنا لا بد أن الجواب الجاهز عنده سيكون:
«ظلَّ الفلسطينيُّ أعواماً على الأبوابْ
يشحذ خبزَ العدل من موائد الذئابْ
ويشتكي عذابَهُ للخالق التوَّابْ..
وعندما.. أخرجَ من إسطبله حصانَهُ
وزيَّتَ البارودةَ الملقاةَ في السردابْ
أصبح في مقدوره.. أن يبدأ الحسابْ..».
لكن هذا الحساب الذي يتحدث عنه نزار وتبناه الفكر المقاوم وجسده على الأرض من خلال سلوك قادة المقاومة ورجالها ألا يعتبر إرهاباً بل «قتلاً غير مبرر وغير مشروع» برأي أميركا ومن يسير على نهجها وهداها من أنظمتنا ومفكرينا؟ فلماذا لا يقبل مقاومو العرب أن يظلوا طيبين كبقية إخوانهم من قادة دول الاعتدال العربي بدلاً من أن يتهموا بالقتل والإرهاب وفقاً للخطاب الأميركي والإسرائيلي؟ هنا يجيب نزار قباني بوضوح».
«يا ربنا:
نرفض أن نكون بعد اليوم طيبين...
فالطيبون كلهم أنصاف ميتين....
هم سرقوا بلادنا... هم قتلوا أولادنا...
فاسمح لنا، ياربنا..
نكون قاتلين...».
ورغم أن قادة المقاومة في حماس لم يتح لهم أن يحضروا ويعرضوا وجهة نظرهم في الاجتماع الوزاري العربي الأخير الذي خصص لبحث العدوان الذي يتعرضون له والإبادة التي تستهدفهم في غزة!! إلا أن نزار قباني لو قدّر له أن يحضر اجتماع القمة العربية الموعودة التي أصبح انعقادها مشكلة وغيابها أيضاً مشكلة فلا شك أنه سيصرخ في وجوه معظم الحاضرين من السادة الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريات في الدول العربية قائلاً:
«متى سترحلون؟
المسرح انهار على رؤوسكم..
متى سترحلون؟
والناس في القاعة يشتمون.. يبصقون
كانت فلسطين لكم.. دجاجةً من بيضها الثمين تأكلون
كانت فلسطين لكم... قميص عثمان الذي به تتاجرون
طوبى لكم.. على يديكم أصبحت حدودنا من ورق
فألف تشكرون...
على يديكم أصبحت بلادنا... امرأة مباحةً.. فألف ألف تشكرون».
ولن ينسى نزار قباني رغم كل شيء أن يهدد الصهاينة بأن كل جرائم الإبادة التي يرتكبونها بحق العرب لن تنهي الصراع مهما طال الزمن باعتبار أن هناك حقوقاً سليبة وأرضاً لا تزال مغتصبة وهو لن ينبهر بالدعوات لإنهاء الصراع بالشروط الإسرائيلية تحت ذريعة أن هذا الصراع قد مضت عليه فترة زمنية طويلة وأنه من الواجب قبول التسويات المطروحة بما هو دون الحق الأدنى من الحقوق والمصالح العربية لذلك نجده يخاطب الصهاينة قائلاً:
«ما بيننا.. وبينكُمْ
لا ينتهي بعامْ..
لا ينتهي بخمسةٍ.. أو عشْرةٍ... ولا بألفِ عامْ..
طويلةٌ معاركُ التحرير.. كالصيامْ
ونحنُ باقونَ على صدوركم
كالنَقْش في الرخامْ...».
ورغم كل التشاؤم مما حولنا والإحباط الذي يصيبنا بسبب ذلك إلا أن المراهنة، عند نزار، تظل على جيل قادم يرفض الواقع ولا يستسلم له ويسعى لتغييره بكل ما أوتي من قوة وعنه يقول:
«نريدُ جيلاً غاضباً... نريدُ جيلاً قادماً مختلف الملامح
لا يغفر الأخطاءَ... لا يسامح..
لا ينحني... لا يعرف النفاق..
نريدُ جيلاً، رائداً، عملاق..».
ولو طلب من نزار اليوم لو كان حيّاً بيننا أن يشخص مع مطلع العام 2009 رؤيته لحال العالم العربي حالياً فلن يجد أفضل مما كتبه قبل ثلاثة عقود في العام 1980 وألقاه في تونس وقال فيه:
«أمشي على ورق الخريطة خائفاً
فعلى الخريطة كلّنا أغرابُ..
أتكلّمُ الفصحى أمام عشيرتي... وأعيدُ... لكن ما هناك جوابُ
لولا العباءات التي التُّفوا بها... ما كنتُ أحسبُ أنهم أعرابُ..
يتقاتلون على بقايا تمرة... فخناجر مرفوعة وحرابُ
وخريطةُ الوطن الكبير فضيحةُُ... فحواجز.. ومخافر.. وكلاب..
والعالم العربيُّ... إمّا نعجة... مذبوحة، أو حاكم قصابُ».
ورغم أن ما كتبه نزار منذ عقود كان يتوقع فيه الأسوأ إلا أن العرب وكلما اعتقدنا أنهم قد وصلوا إلى أسوأ ما يمكن الوصول إليه نجدهم يفاجئوننا دوماً بأن هناك المزيد من السوء الذي يمكن أن يصلوا إليه ويبلغوه!! لدرجة أننا إن بقينا على هذه الحال فإن أشعار نزار قباني ذاتها لن تكون قادرةً على التعبير وقتها عن الحالة التي سنكون قد بلغناها!!
لا شك أن حال العرب مع بدء عام جديد، فيه الكثير من مظاهر الأسى والإحباط فغزة لا تزال تحترق، والعراق والصومال محتلتان وسورية ولبنان مهددتان على الدوام بينما السودان في دائرة الخطر وبقية الدول العربية ليست أفضل حالاً مما سبقها فضلاً عن وجود الكثير من المشاكل الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية التي تهدد العرب في حاضرهم ومستقبلهم.. ورغم كل هذه المخاطر والتحديات فإن قادة العرب ما زالوا منقسمين فيما بينهم مختلفين على كل شيء وعلى أي شيء!!
وإذا كان نزار قباني قد رحل عن عالمنا منذ سنوات فارتاح حتى لا يشاهد هذه الحال المزرية التي وصلنا إليها، وأراح برحيله العديد من الحكام الذين اعتاد أن يجلدهم بسوط كلماته ويهدد عروشهم بسيف قصائده كما فعل كثيراً في حياته!! إلا أننا لو عدنا لقراءة بعض ما كتبه نزار فإننا سنجد أن كل ما كتب سابقاً ومنذ عقود لا يزال صالحاً للحديث عن حال العرب في العام 2009 فإذا كان نزار قباني قد بكى من قبل القدس وبيروت فإن حال غزة اليوم لا يختلف كثيراً.. وإن كان قد كتب عن هزائمنا ونكساتنا العربية السابقة فإن العرب ما زالوا مستمرين بإنتاج المزيد من الهزائم والإخفاقات بمسميات متعددة وأوصاف شتى. ولعل توصيف نزار عن أسباب سوء الوضع العربي وتوقعاته لمستقبلهم لا يختلف كثيراً في الحاضر عما كان سائداً في الماضي القريب.
فلو تأمل نزار قباني حال غزة اليوم حيث القتل والدمار على الهواء مباشرة في حين أن العرب تهربوا من تحمّل مسؤولياتهم وتقاعسوا عن أداء واجباتهم فاجتمعوا بعد زمن على مضض وعلى مستوى وزراء الخارجية واكتفوا بإصدار بيان هزيل لا يحمي من عدو ولا يقي من عدوان فلا شك أنه كان سيخاطب غزة، كما خاطب بيروت، من قبل صارخاً:
«سامحينا.. إن تركناك تموتين وحيده..
وتسّللنا إلى خارج الغرفة نبكي كجنودٍ هاربين
سامحينا.. إن رأينا دمكِ الورديَّ ينساب كأنهار العقيق
وتفرّجنا على فعل الزنى.. وبقينا ساكتين..».
لكن لماذا وصلنا إلى هذه الحال حتى أصبحت الدول صغيرها وكبيرها على حد سواء من أميركا إلى إسرائيل مروراً بإثيوبيا يستبيحون بلادنا ويحتلون أرضنا ويدنسون مقدساتنا فإن السبب، برأي نزار، هو:
«لو أننا لم ندفن الوحدة في الُتراب
لو لم نمزّق جسمها الطريَّ بالحراب..
لو بقيت في داخل العيون والأهداب..
لما استباحت.. لحمنا الكلاب..».
ولو كان نزار قد استمع إلى خطابات بعض حكام العرب وسياسييهم الذين حملوا المسؤولية في أحداث غزة الأخيرة للمقاومة لا لإسرائيل ووجد بعضهم يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية ويرددها ويبررها ويروج لمبادرات عبرية الأهداف عربية الحروف فلا شك أنه كان سيواجههم بالسؤال:
«كأنَّ حرابَ إسرائيل لم تُجهضْ شقيقاتكْ
ولم تهدمْ منازلنا.. ولم تحرقْ مصاحفنا
ولا راياتُها ارتفعت على أشلاءِ راياتكْ
كأنَّ جميعَ من صُلبوا..
على الأشجارِ.. في يافا.. وفي حيفا..
وبئرَ السبعِ.. ليسوا من سُلالاتكْ..».
ومن المؤكد أن نزار قباني كان سيدرك أن بعض الحكام العرب قد تنازلوا عن كل الحقوق والمصالح العربية وقايضوها لقاء بقائهم في مناصبهم والتلذذ بمزايا السلطة ومنافعها ومفاسدها أيضاً وكذلك لقاء توريث السلطة لسلالاتهم ومن يحبون من بعدهم!! ولا شك أنه سيصرخ بوجههم قائلاً لكل منهم:
«تغوصُ القدسُ في دمها..
وأنتَ صريعُ شهواتكْ
تنامُ.. كأنّما المأساةُ ليستْ بعضَ مأساتكْ
متى تفهمْ؟
متى يستيقظُ الإنسان في ذاتكْ؟».
ولا شك أن نزار قباني لن يتجاهل أن بعض قادة هذا الزمان قد جرموا المقاومة ولاحقوا قادتها واتهموهم بأبشع الأوصاف والاتهامات وأدانوهم بفعل النصر وأغلقوا حدودهم في وجههم في الوقت الذي فرشوا فيه السجاد الأحمر لقادة إسرائيل واستقبلوا كبار مجرميها ومجرماتها أيضاً وإذا كان طارق بن زياد قد حقق النصر للعرب منذ زمن فأصبح مثلاً وقدوة فإن قادة المقاومة في عصرنا هذا قد ساروا على دربه ونهجه فسعوا لنصر العرب وقاتلوا للحفاظ على حقوقهم ووجودهم وكراماتهم إلا أن جزاءهم من قبل بعض حكامنا العرب هو التشكيك بنصرهم ومعاقبتهم والتعاون مع الأعداء للقضاء عليهم والتخلص منهم فأصبح المقاوم مستهدفاً ملاحقاً حتى في بلده التي دافع عنها وضحى لأجلها!! وعنه يقول نزار:
«أخذوا منه النياشينَ، أقالوهُ من الجيش..
أحالوهُ إلى محكمة الأمن، أدانوه بجرم النصر!!
هل جاء زمانُ..
صار فيه النصرُ محظوراً علينا يا بنيّ؟
ثمّ هل جاء زمانُ؟
يقفُ السيفُ به متّهماً عند أبواب القضاء العسكريّ!!
ثم هل جاء زمانُ..
فيه نستقبلُ إسرائيل بالورود... وآلاف الحمائم..».
لكن لماذا لا يستمع نزار قباني إلى الخطاب «العقلاني جداً» السائد هذه الأيام والصادر من كبرى العواصم العربية وعلى لسان بعض كبار مسؤوليها ومثقفيها أيضاً والداعي إلى انتظار العدالة الدولية والتماس العون أو التفهم من كبرى دول العالم أو انتظار العدالة الإلهية التي لا بد أنها ستتحقق يوماً في الدنيا أو الآخرة بدلاً من استعجال ارتكاب «إثم المقاومة» أو «جرم الدفاع عن النفس» وهنا لا بد أن الجواب الجاهز عنده سيكون:
«ظلَّ الفلسطينيُّ أعواماً على الأبوابْ
يشحذ خبزَ العدل من موائد الذئابْ
ويشتكي عذابَهُ للخالق التوَّابْ..
وعندما.. أخرجَ من إسطبله حصانَهُ
وزيَّتَ البارودةَ الملقاةَ في السردابْ
أصبح في مقدوره.. أن يبدأ الحسابْ..».
لكن هذا الحساب الذي يتحدث عنه نزار وتبناه الفكر المقاوم وجسده على الأرض من خلال سلوك قادة المقاومة ورجالها ألا يعتبر إرهاباً بل «قتلاً غير مبرر وغير مشروع» برأي أميركا ومن يسير على نهجها وهداها من أنظمتنا ومفكرينا؟ فلماذا لا يقبل مقاومو العرب أن يظلوا طيبين كبقية إخوانهم من قادة دول الاعتدال العربي بدلاً من أن يتهموا بالقتل والإرهاب وفقاً للخطاب الأميركي والإسرائيلي؟ هنا يجيب نزار قباني بوضوح».
«يا ربنا:
نرفض أن نكون بعد اليوم طيبين...
فالطيبون كلهم أنصاف ميتين....
هم سرقوا بلادنا... هم قتلوا أولادنا...
فاسمح لنا، ياربنا..
نكون قاتلين...».
ورغم أن قادة المقاومة في حماس لم يتح لهم أن يحضروا ويعرضوا وجهة نظرهم في الاجتماع الوزاري العربي الأخير الذي خصص لبحث العدوان الذي يتعرضون له والإبادة التي تستهدفهم في غزة!! إلا أن نزار قباني لو قدّر له أن يحضر اجتماع القمة العربية الموعودة التي أصبح انعقادها مشكلة وغيابها أيضاً مشكلة فلا شك أنه سيصرخ في وجوه معظم الحاضرين من السادة الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريات في الدول العربية قائلاً:
«متى سترحلون؟
المسرح انهار على رؤوسكم..
متى سترحلون؟
والناس في القاعة يشتمون.. يبصقون
كانت فلسطين لكم.. دجاجةً من بيضها الثمين تأكلون
كانت فلسطين لكم... قميص عثمان الذي به تتاجرون
طوبى لكم.. على يديكم أصبحت حدودنا من ورق
فألف تشكرون...
على يديكم أصبحت بلادنا... امرأة مباحةً.. فألف ألف تشكرون».
ولن ينسى نزار قباني رغم كل شيء أن يهدد الصهاينة بأن كل جرائم الإبادة التي يرتكبونها بحق العرب لن تنهي الصراع مهما طال الزمن باعتبار أن هناك حقوقاً سليبة وأرضاً لا تزال مغتصبة وهو لن ينبهر بالدعوات لإنهاء الصراع بالشروط الإسرائيلية تحت ذريعة أن هذا الصراع قد مضت عليه فترة زمنية طويلة وأنه من الواجب قبول التسويات المطروحة بما هو دون الحق الأدنى من الحقوق والمصالح العربية لذلك نجده يخاطب الصهاينة قائلاً:
«ما بيننا.. وبينكُمْ
لا ينتهي بعامْ..
لا ينتهي بخمسةٍ.. أو عشْرةٍ... ولا بألفِ عامْ..
طويلةٌ معاركُ التحرير.. كالصيامْ
ونحنُ باقونَ على صدوركم
كالنَقْش في الرخامْ...».
ورغم كل التشاؤم مما حولنا والإحباط الذي يصيبنا بسبب ذلك إلا أن المراهنة، عند نزار، تظل على جيل قادم يرفض الواقع ولا يستسلم له ويسعى لتغييره بكل ما أوتي من قوة وعنه يقول:
«نريدُ جيلاً غاضباً... نريدُ جيلاً قادماً مختلف الملامح
لا يغفر الأخطاءَ... لا يسامح..
لا ينحني... لا يعرف النفاق..
نريدُ جيلاً، رائداً، عملاق..».
ولو طلب من نزار اليوم لو كان حيّاً بيننا أن يشخص مع مطلع العام 2009 رؤيته لحال العالم العربي حالياً فلن يجد أفضل مما كتبه قبل ثلاثة عقود في العام 1980 وألقاه في تونس وقال فيه:
«أمشي على ورق الخريطة خائفاً
فعلى الخريطة كلّنا أغرابُ..
أتكلّمُ الفصحى أمام عشيرتي... وأعيدُ... لكن ما هناك جوابُ
لولا العباءات التي التُّفوا بها... ما كنتُ أحسبُ أنهم أعرابُ..
يتقاتلون على بقايا تمرة... فخناجر مرفوعة وحرابُ
وخريطةُ الوطن الكبير فضيحةُُ... فحواجز.. ومخافر.. وكلاب..
والعالم العربيُّ... إمّا نعجة... مذبوحة، أو حاكم قصابُ».
ورغم أن ما كتبه نزار منذ عقود كان يتوقع فيه الأسوأ إلا أن العرب وكلما اعتقدنا أنهم قد وصلوا إلى أسوأ ما يمكن الوصول إليه نجدهم يفاجئوننا دوماً بأن هناك المزيد من السوء الذي يمكن أن يصلوا إليه ويبلغوه!! لدرجة أننا إن بقينا على هذه الحال فإن أشعار نزار قباني ذاتها لن تكون قادرةً على التعبير وقتها عن الحالة التي سنكون قد بلغناها!!
الجمعة مايو 28, 2010 12:34 pm من طرف نجيب الخلف
» صور من ادلب الخضراء
الإثنين مايو 24, 2010 10:58 am من طرف نجيب الخلف
» صفحة المغتربين
الأربعاء مايو 12, 2010 1:42 pm من طرف نجيب الخلف
» في جريمة بشعة .. " أب " يرمي أطفاله الأربعة ويغرقهم في نهر الفرات
السبت أبريل 10, 2010 5:31 am من طرف ابو جوزيف
» بروفسور أسترالي: في فلتر السيجارة مشتقات من دم الخنزير
السبت أبريل 10, 2010 5:27 am من طرف ابو جوزيف
» سوريا: 3 شبان يغتصبون امرأة أمام زوجها
السبت أبريل 10, 2010 5:26 am من طرف ابو جوزيف
» منتدى قميناس
السبت أبريل 10, 2010 5:25 am من طرف ابو جوزيف
» المشروبات الغازية تهدد خصوبة الرجل
السبت أبريل 10, 2010 5:23 am من طرف ابو جوزيف
» معركة دامية بسبب "لون شعر العروسة"
الأربعاء أبريل 07, 2010 2:58 pm من طرف ابو جوزيف